حديث سمو ولي العهد خلال مشاركة سمو ولي العهد بجلسة تفاعلية ضمن منتدى "تواصل: حوار حول الواقع والتطلعات"
سيدي شكرا على هذه اللفتة، ومتحمسون لها.
سمو ولي العهد:
بسم ﷲ الرحمن الرحيم
أشكر كل المشاركين اليوم، وأخص بالذكر رجوة التي أحببت أن تكون معنا في هذا اللقاء. وإن شاء ﷲ اليوم الحوارات تكون صريحة، وبدون قيود -لا بالأسئلة ولا بالأجوبة-، لأنه إذا أردنا حوارًا مجديًا.. يجب أن نحكي بصراحة.. بدون تجميل للواقع، وطبعا بدون إنكار للإنجازات.
والطاقة هنا في مجمّع الحسين للأعمال دائما تتميز بالإيجابية... لأن هذا المكان مع اختلاف شَرِكاتُه ومَجالاتهُم؛ مليءٌ وعامرٌ بالطُموح والأفكار الجديدة.
الحقيقة منذ عدة أيام، وأنا أرتب أفكاري للقائنا، قررت أن أجرب شيئًا جديدًا...
أكيد معظمكم سمع عن تشات جي بي تي- -GPT ؟
وهو تطبيق الذكاء الاصطناعي الأشهر هذه الأيام. سألته السؤال الذي يدور في بال كثير من الناس:
كيف سيغير -تشات جي بي تي- سوق العمل؟
جاوبني، بأن الذكاء الاصطناعي لن يستبدل الإنسان، بل سَيُحَرره من القيام بالمهام الروتينية؛ وبالأخص المهام المتعلقة بالأتمتة.
فالإنسان قيمته الأثمن ستكون في التفكير، في مهارات مثل التخطيط الاستراتيجي، والابتكار، وتوليد الأفكار وتطويرها.
هذه المهارات نجد معظمها مطابقة للمهارات المطلوبة في سوق العمل الحالي والمستقبلي- حسب آخر التقارير. من التفكير التحليلي والابتكار، إلى حل المشاكل المعقدة، والذكاء العاطفي والتأثير الاجتماعي.. وهنا أضع خطًا تحت: المبادرة، والتكيف، والمرونة.
وهي مهارات بعضها غير موجودة في الذكاء الاصطناعي؛ أو بالأحرى ما طورها الإنسان في التقنية لليوم، وللأسف... لا نطورها في معظم الخريجين في بلدنا أيضا. وهذا غير مقبول، ويجب أن لا يستمر...
لا حدا ينكر أن من أكبر مشاكلنا تجهيز الخريجين لوظائف لم تعد متاحة، وأقول للشباب: أنتم أيضًا عليكم دور: لا تظلموا أنفسكم باختياراتكم!
كونوا جريئين لمستقبلكم،
اليوم؛ انتظار الفرصة يعني إضاعتها.
استثمروا في تخصصات ومهن عليها طلب. اتركوا الأفكار المتوارثة عن المهن. هذا الفكر يحبط ويحتّم على صاحبه الركود في عالم متسارع... لا ينتظر حدا.
بالتأكيد الشباب مسؤولون عن مستقبلهم.. لكن حقهم في التمكين هو واجب القطاعات كلها. وعلى رأسها القطاع العام. وهنا التركيز مهم على سرعة وكفاءة تنفيذ عملية التحديث، السياسي والاقتصادي، والإداري - وبالأخص الإداري، لأنه هو المحرك لكل مسارات التحديث.
ومثل ما تعلمون... الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي يرتكز بشكل كبير على كفاءة وشفافية مؤسساتنا العامة ونوعية الخدمات التي تقدم للمواطنين.
يجب أن نتعلم من الماضي، ونتجاوز مخاوفنا ونحدث نقلة نوعية بأدائنا.
شاهدنا - وعلى مر السنوات- كثير من الخطط الجيدة التي وضعت لتخدم المصلحة العامة، لكن للأسف لم نرى نتائجها إما بسبب ترهل إداري، أو ذهبت ضحية شخص مهتم بشعبيته، اواحبطها التشكيك لمجرد التشكيك، وهذا يشل حركتنا وتقدمنا وكشعب يقلل من ثقتنا بأنفسنا.
يعني إذا أردنا أن نتوقف بعد كل خطوة "ونشوف مين راضي ومين زعلان" لن نتقدم مثل ما نريد... ومثل ما نحتاج، ومثل ما الأردن يستحق، وهذا لا يحدث في الدول المتقدمة.
يجب أن يكون هناك تغيير جذري في منهجية عملنا، ونعمل بجدية ومهنية في التطبيق والمتابعة، ومثل ما جلالة الملك يؤكد دوما، "يجب أن يكون لدينا ثقة بقدراتنا، ثقة بطموحنا وثقة ببعضنا البعض"، وخصوصاً أنه يوجد اليوم بين أيدينا خطط جادة ونوعية.
صراحة، نحن مدينون لأنفسنا، لنخلق واقعًا أفضل. فلنعيد النظر بمواردنا وطاقاتنا المهدورة، ونضع الكفاءة المناسبة في المكان المناسب. في بلدنا وﷲ لدينا طاقات شابة عظيمة، ودائما نثبت أن الأردني قول وفعل.
الأردني تميز في المجال التقني، ونافس عربيا وعالميا في الصناعة الرقمية، في ريادة الأعمال والشركات الناشئة، في الصناعات الدوائية والغذائية، في السياحة، في الرياضة، وغيرهم.
وكم أكون فخورًا عندما ألتقي شبابًا من شمال المملكة لجنوبها، جميعهم لديهم غيرة على الوطن... ولديهم شغف وحماس وطاقة إيجابية ودائماً لديهم الرغبة في التغيير للأفضل، منهم أصحاب مبادرات اجتماعية، ومنهم متطوعون يسرون قبل الفجر ليكونوا عونًا لحاجة، ومنهم منتسبون لمراكز التدريب المهني، ساعين لفرصة أفضل.
يا إخوان؛ للهمة الأردنية جرأة مشهود لها، لم ولن تخذل الأردن في يوم، واحنا دائماً رافعين رأسنا بشهادة العرب والعالم إلنا، بأخلاقيات عملنا ومهنيّتنا.
وكفاءاتنا دائما متميزة بالقيم المتأصلة في الأردنيين، بالمبادرة والتكيف والمرونة. هذا الصفات إلى تتصدر المهارات المطلوبة اليوم.. في الأردن هي قيم متوارثة أبّاً عن جد؛ هذه الصفات ترسخت فينا، وأمامنا فرصة اليوم نجعلها الميزة لخريجينا. آن الأوان إن نعكسها بشكل أفضل على مناهجنا الأكاديمية والتقنية والمهنية، وأن نوظّفها في حياتنا العلمية والعملية. وتصبح أدوات في أيدي أجيال الأردن، حتى نسخّرها للإنجاز والتميز وشكراً لكم.
وهذا –غسان- الذي أسمعه أينما ذهبت في بالعالم، ويجعلني أشعر بالفخر؛ لكن بنفس الوقت بالغيرة على الأردن؛ لأنه تراجعنا قليلًا، وربما هذا اللي دفعني للحديث عن هذه المواضيع اليوم. لأني أعرف أنها الأهم. وكان من الممكن أن أقول كلامًا شعبويًا، وهذا شيء سهل، ويفرحنا على المدى القصير لكن أحب أن أكون واقعيًا، وأتكلم بصراحة وأرى نتائج على الأرض؛ لأنه يهمني مصلحة الوطن فوق أي اعتبار.
وبالنهاية أحب أن أشكركم على حضوركم.